الخميس، 27 يوليو 2017

قضية الطوارق ... إشكالية انعدام الدولة وحسب.



خريطة وطن الطوارق

إن أمة لها من مقومات الأرض والتاريخ والحضارة والثقافة واللغة ما لأمة الطوارق يفترض أن تتبوأ مكانة عالية بين الأمم. وكل من يسبر أغوار عالم الطوارق تنتابه الدهشة لما آلت إليه هذه الأمة من تخلف برغم كل هذه المقومات، ومرد ذلك إلى الإشكال التاريخي الذي أصاب هذه الأمة والمتمثل بعدم قيام دولة تمثلها؛ بسبب مقاومتها الشرسة للاستعمار الفرنسي الذي قرر أن ينتقم منها بشرذمة أبنائها بين خمس دول؛ ليصبحوا أقليات في دولهم الجديدة. الأمر الذي انعكس على أحوالهم على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتعليمية.

على المستوى السياسي لا يملك الطوارق من أمرهم شيء؛ فهم ممثلون بشكل محدود جدا في حكومات بلدانهم؛ وبذلك لا تتاح لهم الفرصة ليشاركوا في صنع القرارات السياسية التي ستؤثر عليهم بلا شك كسائر السكان.


أما على المستوى الاقتصادي فمناطق الطوارق مهمشة إذا ما قورنت ببقية المناطق في دولهم، بالرغم من أنها تحوي أكبر مخزون للطاقة في إفريقيا حسب قناة الجزيرة؛ ففي مالي وبوركينا فاسو والنيجر تفتقد مناطق الطوارق لأساسيات الحياة من إسكان وتعليم وصحة ووظائف، بالرغم من أن مناطق الطوارق في هذه الأخيرة تحوي احتياطيات هائلة من اليورانيوم إلا أن احتكار الشركات الأجنبية ممثلة في أريفا الفرنسية وفساد حكومة النيجر حرم الطوارق هناك من الاستفادة من هذه الموارد، وأما في إقليم أزواد شمال مالي فقد أثبتت عمليات التنقيب والاستكشاف وجود احتياطيات معتبرة من النفط والمعادن المختلفة أهمها اليورانيوم والتي لم تستغل بعد لضعف إدارة حكومة باماكو وعجزها، وأما في ليبيا والجزائر اللتان تستغلان فعلا حقولا نفطية وغازية في مناطق الطوارق فيهما، فلم توظفا العوائد المتحصلة  في الارتقاء بمناطق الطوارق؛ لتوازي مثيلاتها في الشمال حيث صرفت جل العوائد هناك.

وأما على الصعيد الثقافي، فقد أهلمت كل هذه الدول ثقافة الطوارق، حيث لم ترع لغتهم بإدماجها كما ينبغي في المجالات الإعلامية والصحفية والتعليمية، مما أدى إلى نشوء جيل جديد من أبناء الطوارق خاصة في ليبيا والجزائر لا يعرف لغته حق المعرفة؛ لأن اللغة العربية بلهجاتها الدارجة المختلفة حلت محلها كلغة تداول يومي، وأما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ فلأن السلطة في هذه البلدان لا تأثير فعلي لها على مناطق الطوارق سوى حقيقة أنها جزء من حدودها السياسية؛ فقد بقيت اللغة الطارقية هناك تستخدم كما في الماضي بصورتها الشفهية فقط دون أن تدمج في الميادين المختلفة كما يجب.

وعلى الصعيد التعليمي فقد نتج عن عدم إقامة المدارس والمعاهد والجامعات في مناطق الطوارق خاصة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو عدم تكون نخب متعلمة من الطوارق بالشكل المطلوب، وهو ما أثر سلبا على قدرتهم في إيصال قضيتهم للعالم، وكذلك أثر على قدرتهم في خدمة هويتهم ولغتهم وثقافتهم بالمؤلفات والبحوث والدراسات، وهو فعلا ما كانت هذه الدول تريده أن يتحقق، ولم يكن لصاحب هذه السطور أن يخطها لو لم تكتب له الأقدار أن يولد في بلاد المهجر بعيدا عن أرض أسلافه.

وأخيرا على الصعيد الاجتماعي فقد تسبب تقسيم أرض الطوارق بين الدول الخمس في زعزعة التركيب الاجتماعي لأمة الطوارق، حيث نتج عنه تفريق شمل القبائل، وعزل فروعها عن بعض.

لو كتب للطوارق الاستقلال منذ ستينيات القرن الماضي عندما استقلت دول المنطقة، لكان لدولتهم شأن سياسي محوري؛ لكون أرضهم تحوي أكبر مخزون للطاقة في إفريقيا، ولتكونت منهم نخب في شتى المجالات، ولتبوأت لغتهم وثقافتهم المنزلة الرفيعة التي تستحقها.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق